كانت خيمة خالي الذي نزلت عنده، في مكان منعزل، لذلك قررت اخذ والدتي الى أخواتها قرب "تامريكط" في منتصف الطريق بيننا و بين أمهيريز وجهتي القادمة.
كنت واثق من الاعتقال، و لا فكرة لدي عن ما سيعقبه. لكني لم أشغل نفسي بتلك الهواجس. اردت ان يبقى ذهني صافيا.
و صلنا الى خيم الخالات و تناولنا وجبة الغداء، ثم اتبعه الوداع..وداع والدتي، فانا ذاهب الى مجهول ينتظرني على بعد كيلمترات. و ما سمعته وحده يكفي لكي اتردد.
فجاة تتصل شقيقتي من المخيمات تبكي و تنتحب ترجوني ان لا أذهب، فقد أخبروا المسكينة انهم سيقتلوني.
لا أدري كيف خرجت من ذلك الموقف.. و الله لا أدري.
كانت فكرة واحدة تسيطر علي و هي أني لو رجعت اليوم، فسأحكم على نفسي بالاعدام و الادانة و ااكد رواية الجبهة. و أعطيهم الحجة في المستقبل أن يطردوا من شاءوا و يبقوا من أرادوا. و إن كان لابد من الطرد فليفعلوه هم لا أنا. اما أن أعود عن بلدتي و مسقط رأسي لأن هناك من لا يعجبه فلا.
استجمعت كل قوتي، و لبست احسن ملابسي، و تصنعت المرح كمن هو ذاهب في رحلة، حتى أخفف عن والدتي صعوبة الموقف. و لم اودعها، قلت للجميع الى اللقاء و ركبت السيارة انا و أخي الصغير و ابناء خالتي. و في سيارة أخرى رافقتنا كان الخال بوزيد الخبير في المنطقة.
لما وصلنا المكان المسمى "كرفة اصنادرة" توقفنا بعد دخولنا حدود الجبهة بامتار. ترجلنا من السيارة، و طلبت من خالي ان يذهب الى قيادة الناحية العسكرية الرابعة و يخبرهم أني دخلت الحدود و ان كان لديهم أوامر باعتقالي فليتفضلوا. لأني اريد ان يتم الامر خارج البلدة بعيدا عن النساء و الاطفال.
بعد قرابة الساعة عاد الخال ليخبرنا أن القيادة العسكرية طلبوا منا الانتظار حيث نحن و انهم سيأتوننا بالرد..
و بعد ذلك بدقائق اقتربت سيارة عسكرية تحمل رشاشا و توقفت غير بعيد منا.
انتظرنا قرابة الساعتين حتى حل الظلام، و صلينا المغرب.
أخبرني الخال ان الجماعة كما أسماهم أتوا، رغم أني لم الحظ و لم اسمع شيئا. و طلب مني مرافقته على ارجلنا. و فعلت.
غير بعيد منا وجدنا شخصين واقفين في الظلام بزيهم العسكري و دون سلاح.
بادرناهم نحن القادمين بالسلام، و ردوا علينا السلام و تصافحنا.
عرفتهما من الوهلة الاولى، فقد كانا مدير امن الناحية العسكرية ابن عمي: محمد سالم ولد الحسين و معه قائد كتيبة اسمه عمار ولد أمحمد.
قالا أنهما مجرد رسولين، و ليسا أصحاب قرار. و ان القيادة في الرابوني أمروهم ان يخيروني بين الرجوع أو الاعتقال. قلت لهم و كلامي موجه الى ابن عمي أني يمكن ان ارجع عن أي مكان الا امهيريز، فانت تعرف أن كل بئر فيه نحن من حفرناها، و كل شبر هو موضع منزل لنا او مرعى لماشيتنا. و إذا كانت لديكم أوامر بالاعتقال فأنا جاهز. ما عليكم سوى ان تحضروا سيارتكم. قالوا انهم ينتظرونني في الطريق. و انتهى اللقاء.
عدت الى الشباب الذين يرافقونني و اخبرتهم أننا سننطلق صوب أمهيريز، وودعت خالي ليعود الى الوالدة.. و اوصيت أخي بالاولاد. و اتكلنا على الله.
في تلك اللحظات إتصل علي الصحفي محمد سعيد الوافي مراسل فرانس 24 في واشنطن و كان دائم الاتصال بي في الايام الفائتة. أخبرته أني لم أعد أستطيع الكلام. و اني سأعتقل بعد لحظات. و انقطع اتصالي مع العالم الخارجي من تلك اللحظة من مساء 21 سبتمبر 2010.
بعد أقل من كيلومتر من نقطة انطلاقتنا تحولت الارض الى أضواء من كل الجهات.
كان الظلام و لم نميز عددها و هي تقتحمنا بسرعة من كل الجهات. فتوقفنا. نزل بعض الجنود و طلبوا مني الترجل من السيارة، ففعلت. اراد الشبان الذين كانوا يرافقونني النزول أيضا فمنعوهم و طلبوا منهم العودة من حيث اتوا بعد ان انزال امتعتي من السيارة. فالبلدة تلك الليلة مغلقة و لا يسمح بدخولها.
أمرني احد الجنود الذين اقتربوا مني أن أصعد في إحدى السيارات، و فعلت..لتبدأ رحلة اختفائي عن العالم التي دامت 71 يوما.
و للحكاية بقية.....
بقلم مصطفى سلمى