رجاء لا تطلبوا مني أن اصمت. إسمحلوا لي أن اتنفس (11)

 


كانت خيمة خالي الذي نزلت عنده، في مكان منعزل، لذلك قررت اخذ والدتي الى أخواتها قرب "تامريكط" في منتصف الطريق بيننا و بين أمهيريز وجهتي القادمة.

كنت واثق من الاعتقال، و لا فكرة لدي عن ما سيعقبه. لكني لم أشغل نفسي بتلك الهواجس. اردت ان يبقى ذهني صافيا.

و صلنا الى خيم الخالات و تناولنا وجبة الغداء، ثم اتبعه الوداع..وداع والدتي، فانا ذاهب الى مجهول ينتظرني على بعد كيلمترات. و ما سمعته وحده يكفي لكي اتردد.

فجاة تتصل شقيقتي من المخيمات تبكي و تنتحب ترجوني ان لا أذهب، فقد أخبروا المسكينة انهم سيقتلوني.

لا أدري كيف خرجت من ذلك الموقف.. و الله لا أدري.

كانت فكرة واحدة تسيطر علي و هي أني لو رجعت اليوم، فسأحكم على نفسي بالاعدام و الادانة و ااكد رواية الجبهة. و أعطيهم الحجة في المستقبل أن يطردوا من شاءوا و يبقوا من أرادوا. و إن كان لابد من الطرد فليفعلوه هم لا أنا. اما أن أعود عن بلدتي و مسقط رأسي لأن هناك من لا يعجبه فلا.

استجمعت كل قوتي، و لبست احسن ملابسي، و تصنعت المرح كمن هو ذاهب في رحلة، حتى أخفف عن والدتي صعوبة الموقف. و لم اودعها، قلت للجميع الى اللقاء و ركبت السيارة انا و أخي الصغير و ابناء خالتي. و في سيارة أخرى رافقتنا كان الخال بوزيد الخبير في المنطقة.

لما وصلنا المكان المسمى "كرفة اصنادرة" توقفنا بعد دخولنا حدود الجبهة بامتار. ترجلنا من السيارة، و طلبت من خالي ان يذهب الى قيادة الناحية العسكرية الرابعة و يخبرهم أني دخلت الحدود و ان كان لديهم أوامر باعتقالي فليتفضلوا. لأني اريد ان يتم الامر خارج البلدة بعيدا عن النساء و الاطفال.

بعد قرابة الساعة عاد الخال ليخبرنا أن القيادة العسكرية طلبوا منا الانتظار حيث نحن و انهم سيأتوننا بالرد..

و بعد ذلك بدقائق اقتربت سيارة عسكرية تحمل رشاشا و توقفت غير بعيد منا.

انتظرنا قرابة الساعتين حتى حل الظلام، و صلينا المغرب.

أخبرني الخال ان الجماعة كما أسماهم أتوا، رغم أني لم الحظ و لم اسمع شيئا. و طلب مني مرافقته على ارجلنا. و فعلت.

غير بعيد منا وجدنا شخصين واقفين في الظلام بزيهم العسكري و دون سلاح.

بادرناهم نحن القادمين بالسلام، و ردوا علينا السلام و تصافحنا.

عرفتهما من الوهلة الاولى، فقد كانا مدير امن الناحية العسكرية ابن عمي: محمد سالم ولد الحسين و معه قائد كتيبة اسمه عمار ولد أمحمد.

قالا أنهما مجرد رسولين، و ليسا أصحاب قرار. و ان القيادة في الرابوني أمروهم ان يخيروني بين الرجوع أو الاعتقال. قلت لهم و كلامي موجه الى ابن عمي أني يمكن ان ارجع عن أي مكان الا امهيريز، فانت تعرف أن كل بئر فيه نحن من حفرناها، و كل شبر هو موضع منزل لنا او مرعى لماشيتنا. و إذا كانت لديكم أوامر بالاعتقال فأنا جاهز. ما عليكم سوى ان تحضروا سيارتكم. قالوا انهم ينتظرونني في الطريق. و انتهى اللقاء.

عدت الى الشباب الذين يرافقونني و اخبرتهم أننا سننطلق صوب أمهيريز، وودعت خالي ليعود الى الوالدة.. و اوصيت أخي بالاولاد. و اتكلنا على الله.

في تلك اللحظات إتصل علي الصحفي محمد سعيد الوافي مراسل فرانس 24 في واشنطن و كان دائم الاتصال بي في الايام الفائتة. أخبرته أني لم أعد أستطيع الكلام. و اني سأعتقل بعد لحظات. و انقطع اتصالي مع العالم الخارجي من تلك اللحظة من مساء 21 سبتمبر 2010.

بعد أقل من كيلومتر من نقطة انطلاقتنا تحولت الارض الى أضواء من كل الجهات.

كان الظلام و لم نميز عددها و هي تقتحمنا بسرعة من كل الجهات. فتوقفنا. نزل بعض الجنود و طلبوا مني الترجل من السيارة، ففعلت. اراد الشبان الذين كانوا يرافقونني النزول أيضا فمنعوهم و طلبوا منهم العودة من حيث اتوا بعد ان انزال امتعتي من السيارة. فالبلدة تلك الليلة مغلقة و لا يسمح بدخولها.

أمرني احد الجنود الذين اقتربوا مني أن أصعد في إحدى السيارات، و فعلت..لتبدأ رحلة اختفائي عن العالم التي دامت 71 يوما.

و للحكاية بقية.....

بقلم مصطفى سلمى 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال

تعريف الارتباط

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.